-->
الفلسفة المغربية الفلسفة المغربية

تطبيق منهجية تحليل السؤال الفلسفي

 

إنشاء فلسفي

الموضوع الأول

السؤال:

هل يمكن اعتبار العدالة تحقيقا للقانون؟

 

 

الإنشاء

يندرج هذا السؤال في إطار التفكير الفلسفي لمفهومين العدالة و القانون، باعتبارهما مفاهيم فلسفية أساسية، تتطلب الفهم و التحليل مع الوقوف على أبرز المواقف الفلسفية التي حاولت فهم والإجابة عن  هذا السؤال المثير، ومن هنا يمكن أن نطرح بعض الإستفهامات علها تساعدنا في مقاربة هذا السؤال الفلسفي المطروح ، إذن ما المقصود بالعدالة؟  ما الذي يميز الفعل العادل؟ وما علاقة العدالة بالحق و القانون؟

         إن محاولة وضع إجابة عن هذا السؤال تكتسي طابعا مركبا لأنها تحوي مفاهيم فلسفية صعبة المراس، وتشكل في نفس الآن مجالا خصبا غني الدلالات والمعاني، ومن هذا المقام انصب تفكير الفلاسفة في أطروحتهم الفلسفية المختلفة لمعالجة مفاهيم  كالعدالة ، القانون ، الحق، لكونها في آخر المطاف تحتاج لتفكير عميق يمنحها معناها وقيمتها الإنسانية.

         إن مفهوم العدالة حسب السؤال الفلسفي المطروح ينطوي على دلالات فلسفية عديدة ومختلفة، يجعلها تشكل نقطة اهتمام العديد من الفلاسفة في أزمنة مختلفة. فإذا انطلقنا من الفيلسوف اليوناني "أفلاطون" نجده يعرف العدالة باعتبارها فضيلة إنسانية مزدوجة تأخذ معناها انطلاقا من الفرد امتدادا إلى المحيط الاجتماعي الذي تتحدد فيه بشكل شامل وأوحد، باعتبارها فضيلة تعكس مدى استعمال الإنسان لملكة عقله لتقنين و تنظيم حياته الاجتماعية، ومن هذا التحديد  نستقي دلالة أخرى تتأسس على اعتبار  أن الدولة العادلة هي التي يكون فيها جميع الفئات الاجتماعية متساوية، دون سيطرة فئة عن أخرى، ومن هنا تأخذ العدالة وجها آخرا يتحدد في مفهوم المساواة، بمعنى أن أفراد المجتمع يتخذون نسقا قانونيا واحدا أي تساويهم في الحقوق و الواجبات ، باعتبار أن الإنسان هو واضع حقه الخاضع لمبدأ العقل في إطار مجتمع تسوده الحرية، وفي مقابل هذا، يتجلى الطرح الفلسفي الذي قدمه "فريدريك فون مايك" الذي يقول أن السلوك العادل هو سلوك يكفل الحق في منظومة قانونية شرعية في إطار مجتمع حر، فالعدالة بهذا الصدد ترتبط بالقانون و بالحياة الحرة. هذا الأمر، يجعلها تؤسس لإقامة الحقوق و ضمانها، لكن ما ينبغي الإشارة إليه أن طبيعة القانون تلعب دورا مهما في تحقيق العدالة الإنسانية، فإذا كان القانون مستبدا أو في يد فئة معينة محتكرة فإن العدالة تضمحل و تفقد قيمتها ومحتواها، مما يجعل الإنسان يواجه حالة الطبيعة حيث يسود قانون الغاب.

من جهة أخرى يتحدد الفعل العادل حسب "أرسطو"  باعتباره فعلا شرعيا ناجما عن قوانين موضوعة يجب احترامها بمقابل الفعل الجائر الذي يعني فعلا لا مشروعا يشكل خروجا عن المعقول، ومن خلال هذا التحديد نتلمس جزءا آخر للجواب عن السؤال الفلسفي المطروح، وذلك باعتبار العدالة غاية إنسانية يترجمها القانون الشرعي في حياة اجتماعية حرة  تتأسس على مبدأ جوهري و هو العقل. فالعدالة تأخذ قيمتها الإلزامية من وجود منظومة قانونية شرعية تكفل الحقوق في إطار الحياة الاجتماعية، باعتبارها من وجهة أخرى حق وقيمة إنسانية يحميها نظلم قانوني وضعي وفق حياة حرة.

         إن الفعل العادل لا يتم صدفة و تلقائية، فالعدالة ممارسة قصدية وواعية  تنبني على أساس العقل و الاختيار المعقول و الحق، فليست هناك عدالة غير قصدية أو عبثية ، لأن حياة الإنسان تبقى في حاجة ماسة لعدالة قائمة على أساس المساواة و الإنصاف لضمان استمراره و أمنه بالدرجة الأولى. والعدالة في النهاية تكفل وتضمن الحق الإنساني ضمن هذه المنظومة القانونية التي يجب أن تكون متوازنة لا يشوبها أي نقص أو خلل ينقص من مصداقيتها. في هذا الصدد يمكن أن نصف الحياة الاجتماعية باعتبارها شجرة جذرها القانون و الحرية وجذعها العدالة وفروعها هي كافة الحقوق الإنسانية كحق الأمن، حق التعبير، حق الصحة...

         إن العدالة أيضا حسب "أرسطو" تتأسس على مبدأ الإنصاف ، أي أنها تكتسي طابعا منصفا بين الناس بغض النظر عن المساواة القائمة الذي يرسمها القانون  أثناء الأحكام القانونية، بحيث أن القرار العادل  ينبغي أن يكون منصفا يعطي  لكل ذي حق حقه ، والإنصاف هنا هو وجه أخر للعدالة، من هذا الطرح انبثق طرح آخر يعود للفيلسوف "شيلر" الذي يرى أن  العدالة يجب أن تراعي وتفاوت الناس أخلاقيا واجتماعيا، لأن الناس تختلف طبائعهم وميولاتهم و اهتماماتهم وانشغالاتهم وقدراتهم واستعداداتهم، بمعنى على حد تعبير "شيلر" أن أثناء لحظة الأحكام القانونية ينبغي مراعاة ذلك التمايز الأخلاقي الايجابي بين الناس، فبتالي يجب أن يكون الفعل العادل منصف في هذا الأساس.

         من خلال هذه المقاربات الفلسفية المتنوعة  يمكن اعتبار العدالة هي حق إنساني، بمعنى أنها تضمن وتكفل الحق ضمن إطار قانوني شرعي يسهر على تحقيقها بوجهيها كمساواة وإنصاف ، لذا فالدولة ينبغي أن تضمن الحقوق و الوجبات و تحقق العدالة لضمان حياة الإنسان دون تغيير محتوى العدالة بعنصر مضاد يفقدها معناها و قيمتها، وذلك حينما تعتريها مصالح شخصية تنخر مصداقيتها و بشكل عام مصداقية النظام القانوني الشرعي . وقد نتفق على فكرة أخرى وذلك حينما تكون قوانين الدولة غير شرعية مستبدة و مستغلة، فإن العدالة تفقد معناها العقلي الإنساني، ويصبح منطق القوة أساس كل شيء وهي حالة من الطبيعة عاشتها الإنسانية في عصور قديمة.

         إذن، من نافلة القول يمكن اعتبار العدالة كحق وقيمة تعكس وجه القانون. والقانون هنا تختلف طبيعته من دولة لأخرى وهذا ما قال به "ماكس فيبر" حينما حدد أنماط مختلفة من الشرعية  كاريزمية وتقليدية وعقلانية، حيث  يوجد فرق بين قانون كل دولة  و أخرى ، ومن هنا فالنظام القانوني الشرعي ينبغي أن تسود فيه عقلانية مثيلة وروح عادلة ديمقراطية و وطنية لجعل الأحكام العادلة في ذاتها منصفة،واعية، ومتساوية تضمن للإنسان أمنه  و استمراره و بقاءه.




 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة المغربية

2016