-->
الفلسفة المغربية الفلسفة المغربية

تطبيق منهجية تحليل قولة فلسفية

 

إنشاء فلسفي

 

 

الموضوع الثاني

القولة:

"يقتضي مبدأ العدالة تحقيق المساواة، إلا في الحالة التي تكون فيها اللامساواة مفيدة اجتماعيا."

اشرح مضمون القولة وبين أبعادها.

 

الامتحان الوطني الموحد للباكالوريا المغربية/ الدورة العادية 2009/المسالك العلمية والتقنية والأصيلة.

 

الإنشاء

 

إن مبدأ العدالة يقوم على مجموعة من المفارقات التي تؤسس للعلاقة بين العدالة والمساواة من جهة، وبينها وبين اللامساواة من جهة ثانية، وتتأطر القولة ضمن محور الحق والعدالة في إطار مجزوءة السياسية؛ إذ تؤكد هذه القولة على اقتضاء مبدأ العدالة للمساواة إلا في حالة واحدة، وهي تحقيق الفائدة الاجتماعية التي قد توجد أحيانا في اللامساواة، فما العدالة إذن؟ وما هي طبيعة العلاقة بين العدالة والمساواة من جهة، وبينها وبين اللامساواة من جهة ثانية؟ وهل العدالة تؤسس على المساواة أم على الإنصاف؟

إن مبدأ العدالة يقتضي ويستلزم تحقيق المساواة؛ لأن العدالة باعتبارها تشير إلى مجموع القواعد القانونية والمعايير الأخلاقية التي يعتمدها مجتمع ما في تنظيم العلاقات داخله، سواء في مظهرها الخارجي الموضوعي المتمثل في المؤسسات التشريعية والقانونية، أو في مظهرها المعياري الأخلاقي الذي يتطلع الجميع لاستلهامه بدرجات متباينة. إن العدالة بهذا الاعتبار تعد أساسا للمساواة، إذ لا تتحقق العدالة إلا داخله باعتباره فعلا يعامل به الجميع بشكل لا تفاوت فيه أبدا بين الجميع وفي جميع الحالات بغض النظر عن الاختلافات الموجودة بين البشر، لكن ماذا لو كانت اللامساواة تحقق فائدة للمجتمع؟

إن المساواة قد تؤدي أحيانا إلى تفويت المصلحة الاجتماعية العامة والخاصة، فهو أننا جعلنا الناس متساويين في كل المجالات لأدى هذا الأمر إلى نفي التفاوت من حيث الاستحقاق رغم وجود التفاوت في الواجبات، وهذا ما يؤدي بالعدالة المؤسسة على المساواة إلى ظلم اجتماعي، ولعل هذا ما جعل العدالة تنفتح على اللامساواة أحيانا لما تحققه من الفائدة الاجتماعية، وبهذا المعنى تكون اللامساواة هي أن يمنح لكل فرد ما يستحقه بغض النظر عن منطوق القانون، وهنا تتحول العدالة من تأسيسها على المساواة إلى تأسيسها على الإنصاف؛ لأن العدالة المؤسسة على المساواة قد تقع في أخطاء عندما تطبق عمومية قوانينها على الحالات الخاصة، لكن الإنصاف وحده يكيف قوانين العدالة ويجعلها تستقيم مع تلك الحالات الخاصة، وهذا ما سيعود بالفائدة والمنفعة على الجماعة كلها، إن الفائدة الاجتماعية إذن مبرر للامساواة.

إن هذا الطرح (أي اللجوء إلى اللامساواة لتحقيق نوع ما من العدالة في حالة وجود فائدة اجتماعية لذلك) قد عرف تأييدا له من بعض الفلاسفة، ومنهم جون راولس (John Rawls) الذي يقر أن العدالة تقوم على مبدأين مختلفين نسبيا: المبدأ الأول يفرض المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية بين الجميع، بينما المبدأ الثاني فيفرض اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، وذلك مثل اللامساواة في مجالي السلطة والثروة، لكنه يشترط على هذا المبدأ الأخير ليظل داخل العدالة أن يلتزم أصحاب الامتيازات بجزء من تلك السلطة والثروة. وأن يكون هذا التعاون وذاك القبول إداريين. وهذا هو عين العدالة القائمة على الإنصاف الذي يقر بالمساواة في نفس الحقوق من جهة، وبعدم وضع العوائق أمام من سحمت لهم مواهبهم وظروفهم الاجتماعية ببلوغ مراتب عليا من الثروة والسلطة، على أن يتم فتح المجال لغيرهم لإمكانية وصولهم إلى نفس المراتب. لكن ألا يعتبر هذا التصور للعدالة منافيا للحق؟

إن الحق لا يتحقق إلا داخل المساواة، وخارجها لا يمكن الحدث أبدا عن الحق، فالحق والمساواة متطابقان، أو هما وجهان لعملة واحدة. ولهذا فلا مبرر للمساواة على الإطلاق، إذ اللامساواة ظلم وهل بطبيعة الأشياء وقوانينها، فحسب آلان (إميل شارتيي) (Emile Chartier) Alain فإن الحق لا يسود إلا حين يتساوى الطفل الصغير مع الشخص الراشد، والغني مع الفقير، والرجل مع المرأة، والعالم مع الجاهل، والصحيح مع المريض.. ويضرب مثال لذلك بالطفل الصغير الذي يحمل نقودا ويريد بها شراء سلعة، فإن الحق لا يوجد إلا حين يتساوى هذا الطفل في ثمن الشراء مع تلك الخادمة الأكثر شطارة، وكذلك الأمر إذا كان البائع جاهلا بقيمة ما يبيعه – إما كتابا نادرا أو لوحة رسام مشهور – في حين أن المشتري على علم بقيمة السلعة فإن العدالة هو سعر السوق العمومي دائما، وكذلك الأمر بالنسبة للقوانين، فالعدالة منها هي التي يكون الجميع أمامها سواسية، إن اللامساواة إذن لا مبرر لها، إنها قول بئيس.

إن الحق باعتباره قيمة إنسانية عليا تؤطر العلاقات الاجتماعية إذن، فإنه لا ينفصل عن القوانين النابعة من الأخلاق والعقل، لكن هذا الحق الذي يعد رغبة كل إنسان ليس شيئا آخر سوى تحقيق المساواة مع الغير، ما لم تكن المساواة غير عادلة فإنه من الإنصاف اللجوء إلى اللامساواة في بعض الجوانب الاجتماعية ولظروف خاصة، شرط توفير نفس الشروط أمام الجميع بشكل متساو للوصول إلى تلك الجوانب التي قد تكون اللامساواة فيها نوعا من العدالة المنصفة.


 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة المغربية

2016