-->
الفلسفة المغربية الفلسفة المغربية

تطبيق منهجية تحليل قولة فلسفية

 

إنشاء فلسفي 

 

الموضوع الثاني

القولة:

"إن العنف، ليس بطبيعة الحال، إلا الوسيلة الوحيدة للدولة."

 

 

الإنشاء

   

 تتأطر هذه القولة ضمن المجال الإشكالي لمجزؤة السياسة في ارتباطها بمفهوم الدولة وهي تعالج تحديد الدولة بين الحق والعنف ويمكن صياغة إشكال القولة في التساؤلات التالية: كيف تمارس الدولة سلطتها على المحكومين؟ هل تمارس هذه السلطة وفق ما تمليه القوانين المتواضع عليها أي على الحق أم على العنف والتسلط؟

     تنطوي القولة على أطروحة مفادها أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للدولة وهي تحتكر ممارسته عبر أجهزتها الخاصة، إن العنف كقسوة وضرر هو ما يؤسس الدولة ويجعل وجودها مقبولا؛ لهذا تضفي عليه مشروعيتها وتجعل منه شيئا من اختصاصها، في حين لا تعتمد على الحق ولا إتباع القوانين كأساس لها.

     يمكن اختزال أطروحة القولة في المفاهيم الأساسية التالية: الدولة باعتبارها تنظيم سياسي لجماعة ما على ارض محددة عبر سلطتها المتمثلة في مجموعة من المؤسسات والأجهزة المرافقة لها. في حين يشير مفهوم العنف سياسيا إلى استخدام القوة استخداما غير مشروع وغير مطابق للقوانين المتفق عليها، وأخر مفهوم هو الحق الذي يعبر عما هو مطابق لقاعدة محددة ولما هو مؤسس ومشروع، فالحق هو ما لا يحيد عن قاعدة سواءا كانت برهانية أو أخلاقية أو قانونية.

     ترتبط المفاهيم السابقة بواسطة روابط منطقية تكشف عن منطق الحجاجي المتضمن في القولة وهو التأكيد والنفي والاستثناء "إن العنف،ليس بطبيعة الحال، إلا الوسيلة الوحيدة للدولة" التأكيد على أن العنف هو الخاصية المميزة و الوسيلة الوحيدة للدولة وهي التي تقوم باحتكاره عن طريق مؤسساتها.

     تراهن القولة على أطروحة مفادها أن الوسيلة الوحيدة لدولة هي العنف، لكن إلى أي حد يمكن قبول هذا التصور؟ هل هناك من مواقف تؤيد أو تخالف هذا التصور؟

     تأكيدا لأطروحة القولة ورهاناتها يرى "ماكس فيبر" أن العنف هو ممارسة طبيعية للسلطة من طرف الدولة المعاصرة كمجموعة بشرية تسعى بنجاح إلى احتكار واستخدام العنف المادي والرمزي من اجل ضمان السلطة، هذه السلطة لا يمكن أن توجه إلا بواسطة العنف الذي يشكل الخاصية المميزة لدولة والوسيلة المشروعة لتثبت وجودها، ولا تسمح لأحد بممارسته سواها. فهل يمكن القبول بهذا التصور كحل لإشكالية سلطة الدولة؟ وهل العنف هو السمة المميزة الوحيدة لسلطة الدولة؟ ألا يمكن أن نجد لسلطة الدولة مسارا إنسانيا يقوم على الحق؟

    مقابل هذا التصور يمكن استحضار موقف فلسفي أخر والذي عالج الموضوع من زاوية أخرى ويتعلق الأمر هنا بالفيلسوف "سبينوزا" الذي يرى أن الغاية من تأسيس الدولة ليست السيادة أو إرهاب الناس وجعلهم يقعون تحت نير الآخرين، بل هي تحرير الفرد من الخوف بحيث يعيش كل فرد في أمان بقدر الإمكان،أي أن يحتفظ بقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون إلحاق الضرر بالغير، فليس العنف إذن في نظره الطريقة السليمة لتسيير دواليب الحكم لأن الدولة تعرف بالسلطة لا بالعنف لأن السلطة لها طابع التنظيم لا الفوضى.

     يتبين مما سبق الطابع الإشكالي لموضوع القولة إذ ينفتح على عدة رؤى ومقاربات فإذا كانت القولة تؤكد على أن العنف هو الوسيلة الوحيدة التي تستمد منها الدولة مشروعيتها وتقوم على أساسها، فهناك في المقابل من أكد على أن العنف ليس الطريقة السليمة لتسيير وتنظيم الدولة.فما هي إذن الوسيلة الأمثل التي يمكن للدولة أن تستمد مشروعيتها منها؟     


 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة المغربية

2016