-->
الفلسفة المغربية الفلسفة المغربية

تطبيق منهجية تحليل السؤال الفلسفي

 

إنشاء فلسفي

 

الموضوع الأول:


الــــسؤال : " هل القيام بالواجب نفي للحرية ؟" 

 

الامتحان الوطني الموحد للسنة الثانية/ باكلوريا مغربية/ سنة 2009

الدورة العادية، مسلك العلوم الإنسانية. 

 

 

الإنشاء:

 

    يتأطر الموضوع الذي نحن بصدد تناوله ضمن مجال الأخلاق، إذ يتبين ذلك من خلال تركيزه على مفهوم مركزي هو مفهوم الواجب ثم مناقشة هذا الأخير في علاقته بمفهوم الحرية كقيمة من القيم التي تقع في صميم ماهية الإنسان وفي مقدمة شروط تحقيقه لإنسانيته، يبدأ الموضوع ب "هل"، وهذا يعني أن الموضوع ذو طبيعة أخلاقية صرفة تستدعي الإجابة عن السؤال "هل القيام بالواجب نفي للحرية ؟"، قبل عرض الإجابة لابد أن نحدد ما معنى مفهوم الواجب ؟ خاصة إذا كان هذا الواجب يشكل مقولة أساسية في مجال الأخلاق، فأي قيمة تميز هذا الواجب إذا كان يتعارض ويتنافر مع أخص خصائص الإنسان أي الحرية؟ فهل القيام بالواجب نفى لهذه الحرية ؟ وبعبارة أخرى هل المصالحة بين الواجب والحرية ممكنة؟ 

         من خلال تأملنا الإشكال الذي يطرحه هذا الموضوع يتضح لنا أنه ذو طبيعة أخلاقية، لذلك سنجعل من المواقف التي تهتم بهذا الباب أساس تحليلنا ومناقشتنا.

         إن أول أمر يعترض طريقنا في سياق معالجتنا لهذا الموضوع هو تحديد مفهوم الواجب كمفهوم متلبس يصعب ضبط دلالته ومعناه الدقيق، فهناك واجبات كثيرة أسرية، دينية، مهنية وطنية وما إن يتبادر إلى دهننا الواجب يتبعه تلقائيا الإلزام، وفي اللغة: وجب الشيء إذا ثبت ولزم، والواجب هو ما يقابل الجائز والممكن وحيث أن الذات خاضعة لدوافع شتى، فإن ضرورة الواجب تنقلب إكراها وينقلب تصورها إلى أمر نسميه بالأمر الأخلاقي،لكن إذا كان إكراها ينفي حريتنا والواجبات كثيرة ، ألا يجعل دلك من حياتنا جحيما لا يطاق ومعاناة للإكراه ونفي للحرية المستمر؟ قبل المضي قدما للإجابة عن هذا السؤال الإشكالي لابد أن نقف عند تحديد معنى الحرية، فلفظ الحرية يستعمل بكثرة في لغتنا اليومية للدلالة على بعض الأفعال التي تصدر عن رغبتنا وإرادتنا فنعتبرها تتحدد بقدرة الفرد على أن يفعل ما يريد، فمفهوم الحرية يظل دالا على قيمة القيم التي بدونها لا يمكن للإنسان أن يحقق ما يسعى إليه من أفعال أخلاقية، فالقيام بالواجبات والعمل على بلوغ السعادة أمران يفترضان بالضرورة امتلاك الشخص لحرية الفعل والإرادة، إذا كان الأمر كذلك فكيف تحدد علاقة الواجب بالحرية وهل من الصحيح اعتبار القيام بهذا الواجب  نفي للحرية ؟ في هذه النقطة بذات يجيبنا "كانط" Kant أن الإنسان حينما يخضع للقوانين التي يمليها الواجب الصادر عن العقل فإنه حر ما دام لا يخضع سوى لتشريعه الخاص، فهو يمنح نفسه قانونها في حين تتلقى الموجودات المادية قانونها من الخارج على شكل حتمية طبيعية لذلك نص كانط  في إحدى أوامره الأخلاقية المطلقة على وجوب التصرف كما كنت مشرع القانون، ولما كان هذا الأمر كونيا، فإن الفرد يشارك بذلك في مملكة الإرادة بوصفها مملكة للحرية. هذه الإرادة التي تتميز بالاستقلال الذاتي، لأنها تشرع لنفسها في استقلال عن أي شروط أو غايات خارجية.

         في هذا السياق لا بد أن نميز مع "كانط" بين نوعين من الأوامر الأخلاقية، أوامر أخلاقية شرطية يتوقف أداؤها على النتائج التي نتوقعها منها كاللذة أو السعادة أو تقديرا لآخرين... أو أي منفعة أخرى، فتكون الواجبات هنا مجرد وسائل لتحقيق غايات معينة، كأن نقول الصدق من أجل أن نكسب ثقة الآخرين، والنوع الثاني هو الأوامر الأخلاقية القطعية أو المطلقة وهي التي تنظر إلى الأفعال في ذاتها لا من حيث النتائج المترتبة عنها: كأن نقول الصدق دائما لأنه واجب أخلاقي صادر عن العقل العملي.

         ومن تم فالقيام بالواجب من حيث هو واجب هو عين الحرية لأنه يخلص الإرادة من ضغط الميولات الحسية ولا يرهن غاياتها ودوافعها بالنتائج المترتبة عن الفعل الأخلاقي. لكن هل تتوجه للأخلاق والواجبات الكانطية إلى الإنسان الواقعي ككائن اجتماعي يتفاعل داخل شبكة من العلاقات الاجتماعية المعدة، أو إلى صورة مفترضة ومجردة لهذا الإنسان؟

         يلتقي دوركايم وكانط  في أن الواجب يعمل قدراً من الإلزام والإكراه، لكن دوركايم يقف موقفا نقديا من مسألة تحويل الواجب إلى أمر مطلق وغير مشروط، بحيث نقوم بالواجب امتثالا للواجب، إنه من غير الممكن حسب دوركايم السعي نحو هدف نكون فاترين تجاهه ولا يحرك حسا سيتنا، وهكذا يجب أن نقبل بقسط من أخلاق اللذة لنفسر كيف أننا نشعر بنوع من الرضا والإغراء أثناء قيامنا بواجبات خارجنا وقبلنا، فالواجبات تتميز في نظر دوركايم بالخارجية والقسر هذا مع العلم أن الفاعل الاجتماعي لا يعي هذا القسر والإكراه المسلط عليه لأن الواجب يتحول إلى موضوع رغبة، وعلى سبيل المثال انتعال الحداء الذي كان بالنسبة للطفل الصغير واجباً ثقيلاً، يتحول إلى موضوع رغبة واستمتاع بل تنضاف إلى قيمة الإستعمالية قيمة جمالية وفي نفس السياق يقول دوركايم "إنني حين أؤدي واجبي كأخ أو زوج أو مواطن. . . أقوم بأداء واجبات خارجية حددها العرف والقانون وعلى الرغم من أن هذه الواجبات لا تتعارض مع عواطفي الشخصية(. . .) إن هذه الضروب من السلوك والتفكير لا توجد خارج شعور الفرد بل تمتاز أيضا بقوة آمرة قاهرة هي السبب في أنها تفرض نفسها على الفرد شاء أم أبى حقا إني لا أشعر بهذا القهر حيث أستسلم له بمحض إرادتي" من خلال هذا القول يمكن أن نستخلص صفات للواجب: الصفة الأولى هي الإلزام لكن الصفة الثانية الملازمة له هي كونه موضع رغبة .

         هكذا يكون الواجب الناتج عن الأمر الأخلاقي الكانطي المطلق قد ركز على مظهر واحد من مظاهر الواقع الأخلاقي في صورته المثالية والمجردة وأغفل المظهر الملموس الواقعي الذي ينكشف بالمقاربة السوسيولوجية لا بمجرد التأمل العقلي، لذلك فموقف دوركايم يختلف عن موقف كانط اختلاف المقاربة السوسيولوجية المشتغلة على الواقع الاجتماعي عن المقاربة الفلسفية التي تتسم بالمنظور المجرد والبعد الشمولي الذي تقتضيه الفلسفة.

 


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة المغربية

2016