-->
الفلسفة المغربية الفلسفة المغربية

تطبيق منهجية تحليل قولة فلسفية

 

إنشاء الفلسفي

 

الموضوع الثاني

القولة:

"إن الواجب يجثم على إرادة الأفراد جثوم العادة"         

        

الإنشاء:

شكلت الأخلاق مبحثا من أهم المباحث داخل السياق الفكري الفلسفي، وخليفة هذا المبحث هي القيم العليا الموجهة للفعل الإنساني، وهدفه رسم غايات هذا الفعل، من هنا كان المفهوم الأبرز داخل هذا المبحث هو مفهوم "الواجب" الذي منه تتحدد وظيفة هذا المبحث وعليه تتحقق غايته. من هنا غدا مفهوم الواجب يطرح مجموعة من الإشكالات في سياق علاقته بمجموعة من المفاهيم الأخلاقية الأخرى، فما هي طبيعة مفهوم الواجب؟ وما الذي يؤسس هذا الواجب، هل العادات الإجتماعية؟ أم هي الإرادة الحرة الواعية؟

         يتبين من خلال القوة أن صاحب القولة يقر بأن فعل الواجب لا يتأتى ولا يحصل له حاصل إلا بفعل خضوع الأفراد للعادة الإجتماعية، هذا القول ناتج لفعل قراءة سطحية للقولة، فعلى الرغم من أن القولة جاءت على شكل إثبات، إلا أنه إثبات يعبر في العمق عن نقد، حيث تراهن القولة على واجب لا يكون مجرد ممارسة آلية خالية من كل وعي وهدف، وهذا ما يسمح بتوضيح أبعاد القولة.

         بما أن الواجب هو كل فعل على المرء القيام به إما بشكل إلزامي وإما بنوع من الالتزام الحر والواعي، ويجثم هي يهيمن ويسيطر بشكل لا يترك مجالا للاختيار الحر، والإرادة هي القدرة على الاختيار والتصرف وفق ما يمليه تفكير الإنسان وحسب قناعاته أو العادة هي ممارسة يكتسبها الفرد، ومع أنها مكتسبة إلا أنها تصبح وكأنها طبيعية، أو طبيعة ثانية في الفرد، فإن الواجب الأخلاقي يتحول إلى فعل يقوم به الفرد بشكل آلي، بحيث يتحول إلى عادات تتحكم في الفرد وتوجه ممارسته، ويكون مرد ذلك أن الفرد قد قبل الانخراط التام في قيم وعادات مجتمعه، وأضحى ضميره الأخلاقي ترديد لضمير مجتمعه وقيمه.

         هكذا يفقد الواجب الأخلاقي الوعي والقصدية اللتين قد تجعلان منه فعلا يستحق صفة الفعل الأخلاقي، ويراهن برغسون، على تحقيق الواجب الذي نقوم به لأنه واجب تم الوعي به وتم اختياره لما يتضمنه من قيم اجتماعية وكونية، تجعل من الإنسانية ككل غاية لكل فعل أخلاقي وليس الواجب الذي نقوم به لأنه جرى به بحكم العادة الاجتماعية.

         إذا ذهب برغسون هذا المنحى فإنه مع الفيلسوف المؤسس لعلم الاجتماع، "إميل دور كايم" يصبح الأمر على خلاف كل ما اعتقد الأول، فيقر بأن القيام بالواجب تفرضه سلطة المجتمع الذي هو محور كل الواجبات، ويقتضي هذا التصور التقليص من هامش حرية الفرد أمام سلطة المجتمع باعتبارها السلطة الوحيدة المحددة لكل الواجبات.

         يتبين لنا من تحصيل قولة برغسون وكذا من خلال مناقشة صاحب القولة، أن مفهوم "الواجب الأخلاقي" يسمح بتقديم مجموعة من الاستنتاجات من أهمها:

-         أن الإنسان هو فرد في جماعة، ويعيش في علاقة تأثير وتأثر مع هذه الجماعة، يأخذ عنها قيمها وتصوراتها الأخلاقية، بل قد يكون وعيه الأخلاقي مجرد صدى للوعي الجماعي، ومن تم فإن المجتمع هو الذي يحدد الواجبات ويرسخها ويعمل بقوة على حفظها.

-         الوعي الأخلاقي يتأسس على ما هو غريزي وفطري، يشرعه العقل، ومنطقه الإرادة الخيرة والحرة التي لا تخضع لمبدأ خارجي أو لميولات ذاتية ومصالح فردية، لذلك فالواجب هو في حقيقة الأمر التزام عقلي حر.

-         مفهوم "الواجب الأخلاقي" يتأسس في علاقة مع تراث مفاهيم أخرى هي: الإكراه، الوعي والمجتمع... ويدخل في علاقة جدلية مع هذه المفاهيم.

فكيف نربط الواجب الأخلاقي الصادر عن وعي ذاتي وعن إرادة حرة واعية بواجب صادر عن التزامات أخلاقية مجتمعية؟ وكيف نربط الأخلاق داخل المجتمع الواحد ضمن إطار أخلاق كونية إنسانية؟.                   




التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة المغربية

2016