-->
الفلسفة المغربية الفلسفة المغربية

تطبيق منهجية تحليل نص فلسفي

 

إنشاء فلسفي

 

 

الموضوع الثالث

النص: "إن السلطة لا تحتاج إلى أي تبرير ، انطلاقا من كونها لا تقبل الانفصال عن وجود الجماعات السياسية ، لكن ما تحتاج إليه السلطة إنما هو المشروعية (...) . تنبثق السلطة في كل مكان يجتمع فيه الناس ويتصرفون على أساس الاتفاق فيما بينهم ، لكنها سلطة تستنبط مشروعيتها انطلاقا من اللقاء الأول، أكثر مما تستنبطها من أي عمل قد يلي ذلك . إن المشروعية حين تواجه تحديا، فإنها تبحث عن سند لها في الماضي (اللقاء الأول) ، أما التبرير فإنه يرتبط بغائية تتصل مباشرة بالمستقبل . العنف قد يبرر ، لكنه لن يحوز على المشروعية(...) إن أحدا لا ينازع في ضرورة استخدام العنف في حال الدفاع المشروع عن النفس حين لا يكون الخطر باديا فقط ، بل حتميا كذلك .هنا تكون الغاية تبرر الوسيلة جلية ـ"

حلل النص و ناقشه

امتحان الدورة الاستدراكية للباكلوريا المغربية / مسلك العلوم الإنسانية 2008

 

 

الإنشاء

       يتأطر موضوع النص داخل مجال السياسة وتحديدا ضمن مفهوم الدولة هذا المفهوم الذي يرتبط لزاما بممارسة السلطة وفق مؤسسات تنظم علاقات الناس حسب ما تقتضيه المصلحة، ويطرح إشكالية مبنية على تقابل لأساس مفهوم السلطة: هل تمارس السلطة في أي جماعة بالقوة أم بالقانون بالحق أم بالعنف؟

      للإجابة عن هذه الإشكالية انطلق النص من مسلمة مفادها أن السلطة هي مظهر أساسي لكل اجتماع بشري. فالانتماء إلى أي جماعة يعني الاعتراف بأن هذه الجماعة يمكنها بالفعل أن تطالب المنتمي إليها ببعض الأعمال،  وأن توجه مسلكه الوجهة الملائمة لأهدافها المنشودة، ويعني أيضا التسليم بقدرتها على فرض بعض الجهود المضنية وبعض التضحيات، وبقدرتها على وضع بعض الحدود لرغبات الفرد فعلى كل من ينخرط في عضويتها أن يرتضي قوانينها ويلتزم بها ويخضع لها، هذه هي سلطة الجماعة، وهذا هو بالمقابل واجب أعضائها.

     ولا يمكن الإحاطة بمنطوق النص دون الوقف عند أبرز مفاهيمه كمفهوم السلطة، فالسلطة هي الوظيفة الاجتماعية التي تقوم على سن القوانين وحفظها وتطبيقها، ومعاقبة من يخالفها، وهي التي تعمل على تغيرها وتطويرها كلما دعت الحاجة، إنها الوظيفة التي لا غنى عنها لوجود الجماعة ذاته، لاستمرارها، ولمتابعة نشاطها.

من هنا يمكن اعتبارها تلك الوظيفة الاجتماعية القائمة على اتخاذ القرارات التي يتوقف عليها تحقيق الأهداف التي تتبعها الجماعة.

ثم هناك مفهوم الجماعة والذي يعني مجموعة من الناس تربط بينهم علاقات معينة ويشتركون في مجموعة من الخصائص كالانتماء الجغرافي أو العرقي... ومن خلال هذا التحديد المفاهيمي يبدو جليا أن هناك علاقة تلازمية بين مفهوم الجماعة والسلطة .

 فالسلطة مظهر أساسي لكل اجتماع بشري، لكن المشكل هنا هو ما هي طبيعة هذه السلطة وعلى ماذا تتأسس ؟ هنا تختلف الاتجاهات والتفسيرات والتبريرات حول مرجعية السلطة ومشروعيتها.

بيد أن صاحب النص اعتبر إن أساس السلطة هو المشروعية انه يشير إلى سلطة تخضع ممارستها لقواعد قانونية تكفل لها صفتها الشرعية. سلطة قائمة على التعاقد الطوعي الملزم لا على القوة والعنف، والذي يتجسد في كل فعل شديد يخالف طبيعة الشيء ويكون مفروضا عليه من الخارج، انطلاقا من هذه التحديدات يذهب صاحب النص في أطروحته إلى أن المشروعية هي أساس التميز بين السلطة والعنف فهو يقر على ارتباط السلطة بأي جماعة سياسية ، لكن يربط هذه السلطة بالمشروعية هذه المشروعية مستمدة من الاتفاق أو بتعبير آخر التعاقد هذا التعاقد الذي يعتبر السند لكل سلطة. ويقول بخصوص العنف انه يمكن تبريره انطلاقا من ظرفية معينة، لكن رغم ذلك يبقى مفتقدا للمشروعية، موضحا ذلك بمثال أن أحدا لا ينازع في ضرورة استخدام العنف في حال الدفاع المشروع عن النفس انطلاقا من جلاء الضرورة لاستخدامه.

    وهناك العديد من وجهات النضر تتفق مع موقف صاحب النص نذكر منها موقف جاكلين روس التي تقول أن الدولة لا يجب أن تتأسس على العنف المشروع بل على فكرة الحق والممارسة المعقلنة لسلطة الدولة وتقول بضرورة وضع حدود واضحة تشكل الضامن الأساسي لحياة الأفراد والجماعات وتحصينهم من كل شطط في استعمال السلطة أو الاستغلال.

فالدولة تقوم على الحق والقانون وفصل السلط وحماية المواطنين باعتبارهم متساوين في الحقوق والواجبات. فالدولة بالنسبة لها هي دولة الحق والقانون، كما أن هناك مواقف فلسفية أخرى تتعارض مع موقف صاحب النص نذكر منها أطروحة ماكس فيبر في هذا الموضوع حيث يرى أن بين الدولة والعنف علاقة حميمة في تصوره ، فالدولة أو التجمع السياسي كما يعرفها تقوم وتتأسس على العنف الفيزيائي ( المادي). فالدولة تعتمد على العنف كوسيلة لممارسة السلطة،  فحق ممارسة العنف هو حق للدولة فقط وليس لأحد أو تجمع أخر غيرها (الدولة) ممارسته إلا بإذنها فالحق في ممارسة العنف هو حق تضمنه القوانين ومن ثم فهو حق مشروع لقيامه على القانون، من خلال هذه الطروح الفلسفية بالإضافة إلى طرح صاحب النص نلمس كيف تختلف أسس مشروعية الدولة وغاياتها وأيضا طبيعة السلطة  السياسية فيها فهناك من يؤسس طبيعة السلطة في الدولة على الحق والمشروعية وهناك من يربطها بالعنف ويبرر له انطلاقا من أهداف تعلو فوق مصالح الأفراد . من هنا تظهر الطبيعة الإشكالية لعلاقة السلطة بالعنف وكيف يمكن تبرير هذه السلطة. تتعدد وجهات النظر والمواقف والطروح والآراء كلها تصب في تأطير مفهوم السلطة والتبرير له ليبقى هذا المفهوم في علاقته بالدولة ذو طابع ديلكتيكي يفتح الباب أمام البحث والاجتهاد.



 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

الفلسفة المغربية

2016