إنشاء فلسفي
الموضوع
الثاني
القولة :
"إن الشخص لا يولد عبدا
لكن يصير كذلك ، و الحرية هي مصيره و عليه أن يختار السير في طريقها ."
إلى أي حد يمكن تأكيد صحة هذا القول؟
الامتحان
التجريبي لسنة /2009/ نيابة انزكان –
أكادير
الإنشاء
يندرج السؤال ، الإشكال ، ضمن أطروحة أساسية ترى
بان ، مفهوم ، الشخص ، يتأسس على الحرية ، التي هي مصير الإنسان . من داخل إشكالية عميقة ، تخص مجالي ، الوضع البشري و الأخلاق . أي تتعلق
بطبيعة العلاقة ، بين مفهومي الشخص و
الحرية . هذه الإشكالية ، تفرز عدة
تساؤلات ، نذكر منها ، بأي معنى يصبح الشخص حرا ؟ و هل هناك حدود لحرية الشخص ؟ و ما حدود هذا
التصور ؟
بعد هذه
المحاولة ، المتواضعة ، لفهم القولة الإشكال ، التي تخص طبيعة العلاقة ،
بين مفهوم الشخص و مفهوم الحرية . من داخل طرح ، يرى ، أن الشخص يتمتع بالحرية
الكاملة ، بل هي قدره و مصيره .
سنحاول
، الانتقال ، إلى مرحلة أخرى ، لا تقل أهمية ، و تخص إمكانية ، تفسير ، هذا الطرح
. و ذلك عبر ، استدعاء ، بعض الأطروحات ، التي تعالج ، الإشكال نفسه .
و في
هذا السياق ، تتضمن القولة الإشكال ، مفهوم أساسي ، هو مفهوم الشخص ، حيث ترى ، أن
الإنسان ، يصبح حرا و لا يولد حرا ، بل
تؤكد ، أن الحرية ، هي حتمية ، كل شخصا ،
بوصفه ذات إنسانية حرة وواعية .
و هنا
نقف ، على أن ، هذا الطرح ، يرى أن ، حرية الشخص حتمية ، وليست هذه الحرية
مقيدة بحدود أو شروط .
هذه الأطروحة
، نجد ، لها تبلور ، في بعض التيارات الفلسفية ، نذكر من هنا ، موقف الفيلسوف
الوجودي ، الفرنسي جون بول سارتر ، الذي
يشدد ، أن الإنسان مشروع ، أي أن الذات الإنسانية ، هي مشروع ذاتي ، يتمتع ، بحرية
الوجود على الطريقة ، التي تناسب كل شخص
على حيدة .
هذا
المشروع ، هو في حد ذاته ، إرادة الشخص ، لتحقيق و جوده ، حريته و إنسانيته .
و هذا
، لا يتم ، إلا عبر الأنشطة ، التي
يمارسها ، الشخص ، في حياته اليومية ، مثل ،
"الشغل ، الفعل و الحرية " .
كما
يرفض ، سارتر ، أن تكون ، هذه الحرية ، التي يتمتع بها ، الشخص ، في إبداع
ذاته ، هي حرية للممارسة و الإنتاج ، على غرار الآلات و الثقافة الصناعية ،
التي تنمط الإنسان .
علاوة
على ذلك ، يرفض ، سارتر ، الاختزال الفينومينولوجي ، أو تطهير الوعي ـ الذي يقتضي
التعامل مع كل الظواهر المرتبطة بالإنسان ، على أساس ، أنها أشياء ، و بالتالي ، ينبغي ، دراستها بهذه الطريقة .
و في
نفس الصدد ، الذي يخص ، إشكالية الشخص بين الضرورة و الحرية ، ننفتح ، على موقف
ايمانويل مونيي ، الذي يرى أن حرية الشخص ، هي حرية الإنسان .
لان الشخص ، هو مصدر كل القيم ، و هو في
حد ذاته سيرورة نحو الغير . أي ، الأخر الإنساني
، و بالتالي حرية الشخص ، هي حرية لها حدود و شروط ، و ليست حرية مطلقة .
و
يعتبر ، مونيي ، أن غاية حرية الشخص ، هي تحقيق التحرر ، أي بعبارة أخرى ، تحقيق
ذاته . و بالتالي ، نستنتج ، مع مونيي ، أن الشخص يتمتع بحرية مقيدة بحدود الوضع
الواقعي للإنسان . ولكن ، هذه الحرية ، ليست مطلقة و ليست أيضا حتمية من جهة
الخضوع لها .
هذه إشكالية
، التي تخص طبيعة العلاقة ، مفهوم الشخص و مفهوم الحرية . و ذلك ، من خلال علاقة الحرية و الحتمية بالنسبة
للشخص أو الذات الإنسانية .
وفي
السياق ذاته ، نستدعي ، الفيلسوف ، ابن رشد ، حيث يؤكد ، أن الفعل الإنساني ، لا
يمكن أن ، يكون فعل بشكل مطلق ، و لا مسير
بشكل مطلق ، لان الفعل الإنساني ، يعود إلى
القدرة الإلهية و حرية الاختيار الإنسانية
.
و هذه
الحرية الإنسانية ، مقيدة ، بأسباب
الطبيعية ، التي لا يمكن للحرية الإنسانية
، أن تخرج عنها . وحسب ، ابن رشد ، يكتسب الإنسان أفعاله
سواء ، كانت
خيرا او شرا .
و الفعل الإنساني ، يتم ، أولا ، حسب موافقته للشروط من خارج ، التي هي القوانين و القواعد الطبيعية ، التي حددها الله تعالى . و ثانيا ،
يتم ، الفعل الإنساني ، وفق حرية الإرادة عند
الشخص .
وفي
نفس المسألة ، ننفتح ،على طرح أخر ، لفيلسوف ، ميرلوبنتي ، الذي يرى ان اعتبار
الحرية مطلقة ، هو وهم ، و نفي الحرية ، هو خطأ . لان ، الإنسان يوجد داخل
العالم ، في وضع أولي ،
تلقائي و يخضع لحدود في علاقته مع الآخرين .
و في
ظل ذلك ، يمكن للإنسان أن يعطي ، لوجوده
معنى ، و يحدث ، تغيرات على وضعه كشخص . و
يؤكد ، ميرلوبنتي ، أن حرية الشخص ، ليس
لها منطق تنائي . أي ، اما ان تكون حرية مطلقة ، او ان لا تكون أصلا .
و يميز
ميرلوبنتي ، بين نوعين ، من التفكير ، الأول ، هو التفكير الموضوعي ، المرتبط
بالعلوم الإنسانية ، التي جعلت الإنسان شيء
، وترى ، بان حرية الإنسان تخضع للجوانب السوسيولوجية و السيكولوجية .
إما ،
الثاني ، هو التفكير التحليلي – التأملي ، الذي ، يحاول فهم التجربة الفكرية للذات
الإنسانية .
و عليه
، نكون مع التفكير الأول ، تمام أفعال تصدر من خارج . أما مع التفكير الثاني ،
نكون أمام ، أفعال تصدر من داخل .
و
يستنتج من ذلك ، مع الفيلسوف ميرلوبونتي ، إن نظام الوقائع في علاقته بالإنسان ،
حيث هناك ، انسجام بين العالم و الغير . و بالتالي ، حسب ميرلوبنتي ، ليست هناك ، حرية بالمعنى المطلق ، و ليس هناك أيضا
، غياب للحرية بالمعنى المطلق .
و يذهب
، إلى أن ، الأفعال الإنسانية لا تخضع كلها
لقاعدة واحدة . بل ، كل فعل ما ،
يخضع لاختيار معين أو وضع معين ، بحسب
تناسبه ، مع طبيعة الفعل و الإمكانات المتوفرة .
لا
ينكر ، ميرلوبونتي ، إمكانية توجيه الأفعال من طرف الذات الإنسانية ، و ذلك وفق اختياراتها .
و هذا
، لا يلغي ، إمكانية التراكم ، الذي يحصله الإنسان من تجربته الحياتية . و عليه ،
يصبح فهم الأفعال الإنسانية ، يقتضي استحضار معطيات ، مثل ، الماضي ،
الطباع ، الوسط الاجتماعي ، المنظومة
السيكولوجية و التاريخية .
عودا على بدء ، و بعد هذه
المحاولة ، المتواضعة ، المكانية تفسير أطروحة القولة الإشكال ، التي تتعلق ، بطبيعة العلاقة
بين مفهوم الحرية و مفهوم الشخص . و ذلك ، بالانفتاح ، على عدة مواقف ، تختلف
في النظر إلى هذا
الإشكال .
إما
من منظور ، الشخص بين الحرية و الضرورة . أو
من منظور الحرية و الحتمية بالنسبة للشخص .
و قد
تبين ، لنا ، حسب ما سلف ذكره ، أن مفهوم الشخص ، مفهوم مركب
و معقد بشكلا ، يكشف عن إبعاده و
جوانبه الإشكالية . و القول نفسه ، نقوله عن مفهوم الحرية ، الذي ، يرتبط بالشخص ،
على أساس ، انه انه ذات واعية حرة ، تسعى لاكتشاف ذاتها .
و ما
يمكن التأكيد عليه ، هو أن إشكالية الشخص ، في علاقتها ، بإشكالية الحرية ،
هي إشكالية تنتج ، عدة إشكاليات ، لا تقل أهمية
، منها ، ما طبيعة العلاقة بين الشخص و الغير ، على ضوء الحرية الإنسانية ؟